الخميس، 07 نوفمبر 2024

06:00 م

اسلام حويلة يكتب : ما فعله العيّان بسوق السيارات (الميت سابقا)

لا تذهب بخيالك بعيدا.. ولا تطلق العنان للظن السيء .. ان بعض الظن إثم ،العنوان مقتبس من قصة للكاتب بلال فضل، ففي جنازة مهيبة اتشحت بالسواد وقف الجميع في حالة من الحزن العميق والبكاء المرير على فقيدهم الغالي ، وعند لحظة مفارقة الجثمان الأرض آصرت سيدة ان ترافق الجثمان تحت الأرض رغم اعتراض الجميع ، فهو أمر لا يصلح إلا للرجال ، لكنها أصرت، و لم يجرؤ أحد على معارضتها، فالكل على علم بلسانها السليط وألفاظها البذيئة.

وبعد لحظات من الصمت استعدادا للحظة النهاية ،دوى صوت السيدة في صراخ هستيري من داخل المقبرة ، هرع إليها الجميع ليهدؤوا من روعها فكان ردها : انتوا فاكرين اني زعلانة يا ولاد ..... فين التربي ابن .....، وامسكت برقبة الرجل : مين سرق الشرائح والمسامير البلاتين من رفات أخي .. وبعد دقائق لم يستطع التربي المقاومة فانهار واعترف ان أحد العيانين لم يجد الاموال اللازمة لإجراء عملية تثبيت للفخذ بشرائح ومسامير فاتفق معه على سرقة الميت.

ان ما يحدث داخل سوق السيارات يدفع هذه القصة الى عقلي ويرغمني على المقارنة بينها وبين هذا السوق الميت اكلينكيا منذ اكثر من سنة ، ويجاهد العيانين لفصل أجهزة الانعاش عنه والإجهاز عليه بحماقة أعيت من يداويها.

منذ نشر مقالي السابق تلقيت العديد من المكالمات بعضها إشادة والبعض الآخر عتاب ، استمعت لهذا وذاك بعناية، واستقر في نفسي ان كل طرف له الحق فيما يفعله ويبديه.. الحقيقة الثابتة الوحيدة في الأزمة ان الجميع دون استثناء تأثر بشكل كبير ، على جميع المستويات والفئات وتكاد تكون النسبة متساوية بين الجميع.

لذلك يحاول كل منّا اصلاح الوضع على طريقته ، فمنّا من وجد معه اموال نتيجة انتهاء شهادات الـ18% ، فماذا سيفعل بها؟ الذهب في أعلى الأسعار، العقارات لا تزال تعاني وأصبح تسييلها صعبا ، الأسهم والسندات يلزمها الخبرة في التعامل في الأوراق المالية ، لم تعد شهادات الاستثمار والادخار تأتي بعائد مجزي ، والأهم ان قيمة الأموال في تناقص دائم. لم يجد هذا المواطن سوى الاحتفاظ بأمواله في سيارة ، مستعملة أو جديدة ، ما يشغل باله هو الحفاظ على مدخراته التي كلفته سنوات طويلة من العمل الشاق ، لا بأس اذا باعها بعد فترة محققا مكسبا يحفظه من التضخم.

المواطن الآخر لديه سيارة (اهلاك كلي) نتيجة حادثة ، لا يستطيع ان يستغني عن السيارة ، سواء لعمله او لتنقلاته او لسفره او لغيرها من الاسباب .. فلا تستطيع لومه عن مطلبه الملح في شراء سيارة حتى لو دفع فيها الكثير.

وهناك مواطن لن يترك ابنته بدون سيارة (هو حر) بعد تخرّجها سيشتري لها سيارة مهما كان سعرها.

وهناك مواطن ايضا يمتهن تجارة السيارات ، عمله يدور حول شراء وبيع السيارات وربح الفارق بين السعرين، من غير المنطقي ان تطلب منه التوقف عن عمله (أكل عيشه) ، فأنت لن تتكفل بمصروفاته هو وبيته.

وهناك مواطن يعمل في شركة سيارات (مدير- بائع-مهندس) هو أيضا تاثر بشكل كبير، فشركات السيارات بعضها اكتفى بالمرتبات الأساسية للعاملين ، وبعضهم قلّل ساعات العمل وبالتالي المرتب، وقلة منهم أغلقت فروع وقامت بتسريح موظفيها وعمّالها.

وهناك مواطن يمتلك توكيل سيارات وربما يمتلك مصنعا ،تزيد الأعباء عليه يوميا، مرتبات وتأمينات وايجارات وقروض ، وقضايا تنظرها المحاكم وحماية مستهلك ،هو أيضا يريد ان يبيع أكبر عدد ممكن من السيارات ليسدد ما عليه ويحقق الربح، هل تنتظر منه اغلاق مصنعه ومعارضه وتسريح موظفيه؟ انت تطلب منه التحمل وهو سيتحمل ، لكن الى أي مدى؟

ما يحزن بالفعل هو ما نشاهده على القنوات سواء الفضائية او الرقمية من اشخاص جهلاء ، وجدوا انفسهم في صدارة المشهد ، فراحوا يتحدثون بما لا يعلمون ، بلا ارقام وبلا معلومات ، دون معرفة ودون منطق ، فقد يهاجمون بلا وعي وبلا سبب ما يحدث في سوق السيارات ، لا يريدون الا الشهرة وحب الظهور ، لم يناقش احدهم أسباب الأزمة وحلولها ، لم يضع احدهم تصور لما هو آت ، لم يذكر تجارب سابقة لدول مرت بنفس أزمتنا وتعافت وقامت واصبحت أقوى.

لكن تظل النتيجة ان سوق السيارات ميت اكلينكيا بالفعل، الجميع في السوق ليس امامه سوى الأمل والتفاؤل ، وان الفترة الصعبة ستمضي الى سبيلها ، بخسائرها ونزيفها ، بمعاناتها وابتلاءاتها ، فكم مرت علينا مثل هذه الايام ومضت الى حالها واصبحت ذكرى.

مارشدير

اسعار ومواصفات السيارات

البحث حسب الميزانية

البحث حسب الموديل

العودة للأعلى

search