الإثنين، 23 ديسمبر 2024

01:22 ص

رافقته طيلة حياته.. مصير سيارة إبراهيم أصلان

201406140840639

201406140840639


يكتب إبراهيم أصلان في نص بعنوان “إيقاع” عن صنايعي يصلح سيارته الفولكس. كان يطرق على صاجها، فيصدر أصواتاً معينة، ولها إيقاع خاص، ولكن هذا الإيقاع تغير فجأة لأن الصنايعى أراد معاكسة فتاة تمر في الشارع.
“أثناء العمل الذي يستغرق وقتاً لم يكن ينقر هذه النقرات المتلاحقة علي نحو عشوائي، بل إنه كان يواصل النقر في وحدات إيقاعية يروح يكررها ويلعب بها طيلة الوقت صانعاً لحنه الخاص لا يقطعه سوى التوقف لإشعال سيجارة أو تناول رشفة من كوب من الشاي‏.‏ هذه الإيقاعات اللحنية المتلاحقة وبسبب من انضباطها المنتظم برغم خفوتها صارت قراراً ملموسا له ما يشبه الهيمنة الخفية على أجواء الشارع بزحامه وأصواته المتنافرة‏.”‏
أصلان سيكتشف أن الإيقاع سيتغير فجأة، لأن الصنايعي، كما ذكرنا، أراد لفت انتباه إحدى الفتيات: “هكذا أتابعه وهو يعزف في شمس الشتاء، وهكذا تخطر فتاة حلوة بين الناس في الجانب البعيد الآخر‏.‏ وهو المشغول بالعمل يكسر فجأة هذا الإيقاع المهيمن بجملتين من النقر أو ثلاث كان يعاكسها‏، وأنا بنفسي لمحت البنت وقد وصلتها الرسالة عبر الزحمة‏.‏ لمحتها تلتفت ناحيتنا من بعيد وهي ماشية بصدرها النافر فيما يشبه الاستهجان ثم تعتدل‏.‏ وهو أدرك أن رسالته وصلت وسمعته ينقر جملتين أخريين ابتهاجاً بذلك، ثم واصل لحنه الأصلي”.
اشترى أصلان سيارته، وهي فولكس موديل 58، عام 83. استمرت معه حتى وفاته في 2012، أي أنها ظلت معه 29 عاماً بالتمام والكمال. تحولت هذه السيارة إلى جزء من شخصيته، تماماً مثل شاربه الضخم الذي كان يغطي شفتيه، كما تحولت إلى معلم من معالم شارع “رستم” في جاردن سيتي. كان يركنها بالقرب من مكتب “الحياة اللندنية” حيث يرأس القسم الثقافي. ستجد لدى أصدقائه المقربين نفس الحكاية عن ذهابهم إليه، ثم استقلالهم السيارة معه من هناك. يظل يدور بها في الشوارع المتشابهة للحي الراقي، قبل أن يعود مرة أخرى إلى شارع رستم، وهكذا. كتب عزت القمحاوي نصاً بديعاً عن أصلان في “أخبار الأدب”، ووصف مقبض الباب الذي قد ينخلع في يدك إذا لم تنتبه لطريقة التعامل معه. كان أصلان يتعامل مع سيارته بمحبة شديدة، وكان إصلاح العيوب التي تطرأ عليها واجباً دائماً ومتكرراً. اشتراها بألف جنيه، ودفع مائة جنيه للسمسار، الذي كان وسيطاً بينه وبين مالكها. قلة الأموال كانت تدفعه أحياناً إلى ركنها فترات طويلة، ولكنه كان يعود إليها ليعيدها سيرتها الأولى بـ”عَمرة” كاملة. لم يفكر في تغييرها، لأنها كانت تساعده في قضاء “المشاوير” من المنزل إلى العمل على الأقل، وهكذا كانت “العِشرة” تتجدد بينهما دائماً.
ابنه هشام كان في الرابعة من عمره حينما اشتراها أصلان، وحينما كبر صارت لديه قصص خاصة بها. لقد نقلت الأسرة مقر إقامتها من إمبابة إلى المقطم، وكان المنزل الذي يقطنه هشام على بعد من الشارع الرئيسي، والشارع الجانبي به مطلع ضخم للغاية، ومن الصعب أن يمر بدون تلك السيارة، وقد سمح له الأب بأن يستقلها، فقط لكي يعبر المطلع ويركنها في الشارع الرئيسي، كما سمح له أن يستخدمها كمواصلة داخلية فقط، أي لا يذهب بها بعيداً عن المقطم.
يقول هشام: “أنا اعتمدت فكرة أنها مواصلة داخلية، وطبعاً ساءت حالتها لدرجة أن أحد إطاراتها طار فجأة وأنا أسير بها في الشارع، وجاء الجيران وساعدوني في تركيبها مرة أخرى، وعلى العموم قررنا ركنها منذ حظر التجول الأول الذي تم فرضه بعد ثورة يناير، وعوامل الركنة حولتها إلى خردة”، وأضاف: “هناك من يحدثك عنها باعتبارها أنتيكة، لأنها أولاً موديل قديم، وثانياً تخص إبراهيم أصلان، ولكن هذا كلام غير مظبوط، فالناس ينظرون إليها باعتبارها سيارة قديمة”.
منذ فترة كان بعض الجيران بالإضافة إلى البواب قادمين من صلاة الفجر، وفوجئوا بمجموعة من اللصوص وقد فكوا أحد كراسي السيارة، وفي طريقهم لفك الكراسي الأخرى، وبدءوا في الصياح والهجوم عليهم، ولكن اللصوص أطلقوا النار في الهواء فتوقف الجميع، وإكمالاً للمشهد خرج ناضورجي من السيارة كان يراقب الطريق لهؤلاء اللصوص. وسار معهم.
هشام كان يتصل بوالده دائماً ليقول له إنها تعطلت به في مكان ما، وفي النهاية قال له: “اركنها”، ومنذ تلك اللحظة لم تتحرك السيارة التي كانت جزءاً من حياة الكاتب الكبير.
من موقع 24 الاخباري الاماراتي
مارشدير

اسعار ومواصفات السيارات

البحث حسب الميزانية

البحث حسب الموديل

العودة للأعلى

search